صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري

البناء والترميم (21)

قبل أن نغادر موضوع وسلطة (مصدر) المعلومات، ننبه إلى وجود ما يمكن تسميته بالمعلومات (الملغومة) أو المضللة.

قرآنياً، نقرأُ إشارةً إلى آليةٍ مهمة للتعامل مع مصادر المعلومات:

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" (الحجرات 6).

وإذا صح فهمنا لنظرية المفهوم والمصداق، التي يقول بها البعض، ربما يتسع الباب ليكون فحص المصدر والمحتوى مصداقاً لمفهوم الحاجة للتأكد فيما تتقوم به عملية اتخاذ القرار.

خارج تلك النظرية، التفريق حاصلٌ(في الثقافة القرآنية) بين حالتي الفسوق والإيمان بنحوٍ عام:

"أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ" (السجدة 18)

وهناك من الأعلام من يرى أن من بعض نتائج التفريق في العناوين(مسلم، مؤمن، كافر، فاسق... إلخ) إيجاد "حالة من الإستيحاش في الصف المؤمن من بعض تلك العناوين". وهو نوعٌ من التمايز(الهوياتي) متعدد المستويات، بما يحفظ الحصانة والتماسك الداخليين.

من ناحية أخرى، لا يخِلُّ التمايز(الهوياتي) بالتوازن المطلوب في التعاطي الذي تفرضه حيثيات الواقع مع الآخر. وربما نفهم من آية (الحجرات 6 اعلاه) ما يشير لذلك. ذلك أن عملية الفحص والتدقيق(التبَّين) ستنصب على المعلومة المنقولة(النبأ) أكثر منها على الناقل الذي تم تحديد (هويته) بدايةً.

على ان النص نفسه قد ينتج تساؤلاً أولياً، وآخر بالتبع.
مثلاً، هل يفهم من ربط عملية التبَّين بكون الناقل فاسقاً عدم الحاجة للتبين في حالة المؤمن؟

وإذا كان الأمر كذلك، ألا يُحَّمل هذا المؤمن مسئوليةً أكبر عما ينقل، من حيث ما خُصَّ به من تشريف وتكريم؟ أليس(من له الغُنم فعليه الغُرم)؟(١)

ما ذكرناه يبقى في خانة الإحتمالات والإشارات النظرية، بين يدي أصحاب الإختصاص.
كيف والفهم والنظر العرفي له مكانته المنهجية المعتبره في أبحاث الفقه التشريعي، كما هو متبنى السيد الإمام والشيخ المنتظري أعلى الله مقامهما(٢).

هذا الإستدراك على موضوع المصادر، المشار له في بعض الحلقات السابقة، نراه مهماً.

فكثيراً ما نبه العلماء والمخلصون إلى تفشي ظاهرة إعادة الإرسال(الرتويت)، في وسائل التواصل الاجتماعي. وأن إعادة التوجيه والنسخ واللصق تتم بدون تدبر وتروي، لا في المصدر ولا في المحتوى. خاصة وأن الكثير مما يُنشر قد يكون مجهول المصدر، أو ملتبسٌ تمرره وتنشره دغدغة العواطف. وربما يتعمد البعضُ استفزاز عواطف الكثيرين من خصومه، لمعرفته ب(الخارطة الذهنية) لهم، فتتولى ردة فعلهم المتسرعة بنشر ما يريد بكل سهولة ويسر(وكفى الله المؤمنين القتال).

ورد عن أمير المؤمنين، عليه السلام:

"فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين، ولو أن الحق خلص من لبس الباطل، انقطعت عنه ألسن المعاندين. ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى"(٣).

اللهمَّ اجعلنا من الذاكرين، ولا تكتبنا مع الغافلين.

بعد الإستدراك،
ماذا عن تنظيم المعلومات(ومعالجتها)، وعرضها؟

يتبع، بمشيئته وعونه تعالى.
-----------------------
(١) وكأن السؤالين يمثلان مستويين، أول وثاني، من الدلالة الإلتزامية.

(٢)كما ينقل السيد فضل الله- رضوان الله عليه- عن الأول، والشيخ علي الكوراني حفظه الله عن الثاني(مجلة التوحيد- أعداد سابقة).

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(3 ص 240)، أيضاً بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٩٠ (Shiaaonline Library)